«العاشقين».. فرقةٌ أنشدت الفداء الفلسطيني وحكايا اللجوء

أرَّخت أغاني فرقة العاشقين الفلسطينية رواية الفداء الفلسطينيِّ، وقدّمت منذ انطلاقتها عام 1977 من أزقة مخيم اليرموك في دمشق، حالة غنائية ثورية، وعكست حكايا اللجوء والشتات في الخيام والغربة، بدايةً بأغنية ”والله لازرعَكْ بِالدار يا عودِ اللوز الأخضر“، التي شكَّلت أولى أغنيات الفرقة التي انطلقت باسم «فرقة أغاني العاشقين» قبل أن تصبح باسمها المعروف منذ سنوات طويلة. الأغنية الأولى لـ «العاشقين» كانت المقدمة الغنائية لمسرحية «المؤسسة الوطنية للجنون»، من تأليف الشاعر سميح القاسم وإنتاج دائرة الإعلام والثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية.

وبعد النجاح الكبير الذي حقّقته المسرحية، تقرر تأسيس الفرقة في ذاك العام؛ لتضم الملحن حسين نازك والكاتب أحمد دحبور، وعائلة الهبّاش، محمد وخليل وخالد وآمنة وفاطمة، بالإضافة إلى مها وميساء أبو الشامات ومها دغمان وأحمد الناجي ومحمد الرفاعي وهناء منصور وغيرهم، حيث تميّزت بالأغنية الفدائية الشفويّة، المُصاحبة لأداء استعراضيّ وتعبيريّ راقص بالزي العسكري “الكاكي” (الذي يشبه الزيّ العسكري للفدائيين الفلسطينيين)، وتبدأ براوٍ يسرد نصًّا عاميًّا أو فصيحًا ومن ثم يبدأ اللحن والغناء.

حمل ألبوم الفرقة الأول اسم “بأم عيني”، وهو عنوان مسلسل عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، أدَّت الفرقة مقطوعاته الغنائية والموسيقيّة، وكانت كلماته من تأليف عدد من شعراء الأرض المحتلة مثل: محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم. أمّا الألبوم الثاني لفرقة العاشقين فهو ألبوم (ظريف الطول) وهو مستمدٌّ من الحنين إلى الوطن وإرثه الثقافي واشتمل في مضمونه على الرموز المستمدة من ثقافة الأرض والفلاحة والحياة الشعبية.

تلاه مجموعة من الألبومات في عام 1980 وما بعده، مثل: عز الدين القسام، الكلام المباح، وألبومًا خاصًّا بحرب بيروت عام 1982، إضافة إلى المسرحيات الغنائية المطوّلة مثل: سرحان والماسورة، وغيرها. وفي عام 1983 توقّف الإنتاج الغنائي للفرقة لكنها أدّت مجموعة حفلات مهمة مثل: حفلة الكويت (1984)، حفلة عمان (1989)، وقبلها بعام صدر ألبوم (أطفال الحجارة)، لكنّ بريقها في تلك الفترة بدأ يخفت نتيجة أسباب سياسية ومادية مختلفة.

من معسكر أنصار وصبرا وشاتيلا وقامت القيامة بصور وشوارع المخيّم ووردة لجريح الثورة ويمشي على الجمر شبل، إلى دوس ما إنت دايس عالزناد وهبت النار والبارودِ غنّى، مرورًا باشهد يا عالم علينا وعلى بيروت، وقلعة شقيف اللي بتشهد يا بيروت عاللي داسوا راس الحية، وبهروا الدنيا أطفال الحجارة وما بيدهم إلا الحجارةْ، إلى الكلامُ المباحُ ليس مباحًا ونغنّيهِ، وغيرها من الأغاني الثورية المحفورة في ذاكرة أجيال من الفلسطينيين، شكّلت «العاشقين» مرحلة بالغة الأهمية في الوعي الجمعي الفلسطينيّ، إلى أن توقفت تمامًا عن الظهور عام 1993.

عام 2008، عادت «العاشقين» مجددًا في محاولة لاسترداد مكانتها الكبيرة، عبر حفل في مسرح “بلومزبري” في بريطانيا بتاريخ 11 أيار من العام ذاته، وحفل آخر في الإسكندرية عام 2009، لكن تدخلات سياسية أدت إلى انقسام الفرقة عام 2011، التي ظهرت بأسماء عدة لأهداف مختلفة، ورغم ظهورها في عدة حفلات بعد ذلك، إلا أن صوت محمد هباش برز عاليًّا في أغاني خاصة بشهداء نابلس وجنين خصوصًا في العامين الماضيين (2021 و2022) حتى الآن، في محاولة لاستعادة الحس الغنائي الثوري واستنهاضه في نفوس أجيال تربَّت على أغاني فرقة «العاشقين» سنوات طويلة.

Hide picture