الرموز والألوان في الثوب الفلسطيني بمناسبة يوم التراث الفلسطيني

لا يرى الفلسطيني في الثوب التراثي مجرد خيوط مطرزة ومُذهّبة بأقمشة ونقوش وألوان فقط، إنما يرى فيه تاريخه وتراثه وحضارته الكنعانية، وجزءًا مهمًّا من وجوده وحاضره وإرثه الممتد من آبائه وأجداده، حكاياتهم الفلكلورية الشعبية، والألوان والنقوش والزخارف والرموز التي يدلل كل منها على عراقة الفلسطيني وتجذره في الأرض والذاكرة والتاريخ.

تحمل هذه الأثواب بخطوطها وأشكالها وألوانها طابعًا خاصًّا ومتفرّدًا تعكس طبيعة كل منطقة في فلسطين، وجغرافيّتها، وطباع أهلها وتفاصيل أعمالهم وحياتهم، فتجد أن مدن وقرى الساحل مثلًا تحمل أثوابها التراثيّة ألوانًا ورموزًا تختلف عن جارتها الساحليّة، كما تختلف أيضًا عن رموز أثواب النساء في منطقة بئر السبع ووسط فلسطين. هذا شاهدٌ أصيل آخر من شواهد الموروث الفلسطينيّ، ودليل تاريخي على خصوصية الفلسطيني وتراثه وحضارته.. فما دلالة الرموز والألوان المختلفة التي تُزيّن الثوب الفلسطيني؟

نتناول تحديدًا ثوب المرأة الفلسطينية الذي كانت ترتديه في المناسبات المختلفة، لكن للرجل ثوب تراثي أيضًا، وله تسميات عديدة منها القنباز أو الغنباز أو القمباز، وهو ثوب طويل تحته سروال، ولا يحتوي على أي تطريز أو نقوش. هذا الرداء مشقوق من الأمام، ضيق من الأعلى وواسع ومفتوح من الأسفل. ومثله مثل ثوب المرأة الفلسطينية، تختلف أنواعه وألوانه حسب الطبقة الاجتماعية، فيرتدي الفقراء قمباز الديما المصنوع من القماش القطني المقلم، والأغنياء يرتدون القمباز المصنوع من الحرير النباتي أو قمباز الغباني.

وليس بعيدًا، لخّصت الأغنية التراثيّة الفلسطينيّة رموز الثوب الفلسطينيّ: «ستّي إلها ثوب وشال، عالثوب مطرَّز غزال، جنبه ورود وسنابل، من حواليها سبع جبال»، ووثّقت ميزات هذا الثوب ورمزيّته في وعي أجيال سمعوا هذه الأغنية وغيرها على لسان الجدّات اللواتي طرّزن أثوابهن وأثواب أزواجهنّ.

ومن دلالات هذه الرموز ومقياس أهميّتها هو مكان وجودها على الثوب، والمساحة المُطرّزة عليها. فنجد عروق الورد و قطوف العنب وسعف النخيل موزعة على المناطق الجانبية الثانوية من الأثواب، محصورةً في شريط طويل، أما الرموز الأساسية فتأخذ مساحة أكبر في صدر الثوب أو في ذيله الخلفي، مثل رموز الزهرة، الحصان، الدجاجة، السرو. القمر، وغيرها من الرموز، التي يرجع اختيارها وتسميتها ورمزها للمرأة التي تطرزه، ولمتطلبات الحياة والبيئة التي تعيش فيها.

رمز السرو على الثوب الفلسطيني، وهي من نباتات فلسطين، يدلل على الصمود في مواجهة الجفاف ونموّها الصاعد إلى الأعلى هرميًّا، حيث تمتد لعشرات الأمتار، إضافة إلى أنها معروفة بقوة خشبها وانسيابه، أما رمز الحصان، يرمز للقوة والعظمة والصفات العالية، كما يوصف بأنه الرفيق الطيب والمخلص لصاحبه. مثّل رمزًا للكنعانيين زمن قوتهم، واستخدموه في حروبهم، كما أنه لعب دورًا كبيرًا ثورة الفلاحين في فلسطين عام 1937، وهو يظهر حتى اليوم على ثياب أهل القدس في منطقة الصدر أو البنايق، على شكل رأسي حصان متعاكسين.

ويرمز العنب، الشجرة القديمة في فلسطين، للخير والعطاء واللذة، استخدمته المرأة الفلسطينية في نقوشها على الثوب التراثي، ورسمت شجرة العنب بسيقانها وأوراقها وابتكرت وحدات زخرفية للقطوف والأوراق والأغصان، ونجد نقش العنب في جوانب الثوب وعلى الأكمام بعيدًا عن المناطق الأمامية والبارزة في الثوب، كمنطقة الصدر والقبّة، وقد يشير هذا إلى تراجع قيمته في الوجدان الفلسطيني.

تأتي هذه الرموز وغيرها – كتلك التي ذكرناها سابقًا – بدلالات أسطورية، تاريخية وفلكية وجغرافية وشعبية مرتبطة بالأرض والإنسان، وتعكس طبيعة حياته وفلسفته، كما يعود معظمها إلى مئات السنوات، يجسد وجودها على ثيابنا التراثية حتى اليوم التراكم الحضاريّ والتراثيّ للشعب الفلسطيني وعراقته، والانتماء إليه رغم التغيرات التي شهدها طوال مراحل وجوده، أما أشكالها وتفاصيلها تختلف بحسب المواسم والمناسبات والفئة العمرية.

أما ألوان الثوب الفلسطيني، فنجد أنه يطغى عليها اللونين القرمزي والأرجوانيّ، وهذا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمنسوجات الكنعانيّة، كما يكثر استخدام اللونين الأسود والأبيض، لما لهما من معان في حياة الفلسطينيّ، فالثوب الأسود المُطرز تطريزًا بسيطًا وخفيفًا، عادة ما يكون للعمل اليومي، بينما تكثر في الثوب الأبيض النقوش والمُطرّزات والرسوم نظرًا لخصوصيّته لدى المرأة الفلسطينية في الاحتفالات والأفراح والمناسبات الاجتماعية.

وتُعرف أثواب المدن الفلسطينية بألوان مميزة، ودرجات مختلفة، فيميل لون ثوبي غزة وبيسان إلى اللون البنفسجي القريب إلى الأزرق، وبيت لحم ورام الله ويافا يميل إلى الأحمر القاني أو الخمري أو النبيذي، كما تأتي بعض الأثواب وخصوصا في رام الله باللون الأبيض وتتشارك أثواب طولكرم وحيفا بدرجات من اللون الأبيض، كما تميزت ألوان ثوب القدس بأنها ألوان داكنة وغامقة مثل اللونين الأحمر والأزرق، بينما الأحمر البرتقالي هو لون يميز ثوب بئر السبع.

أما ثوب الخليل فيميل إلى البني، وثوب نابلس يتكون من مجموعة من الألوان تأثرا بالزي المنتشر في دمشق، مع تطريز وخطوط حمراء وخضراء، وثوب أريحا فلونه أحمر مع قطبة فلاحية من الأزهار، وثوب اللد – الرملة، فهو ثوب أبيض يغلب عليه اللون الأحمر وفي قسمه السفلي أشرطة مطرزة من كل جانب، لكن ثوب طوباس يتميز بقماشه القطني الأبيض المخطط بالأحمر والأخضر مع خطوط رفيعة باللون الكحليّ، أما ثوب يافا فيمتاز باللون الأسود الداكن مع نقوش مطرزة على أطراف الثوب، مستوحاة من الطبيعة.

لقد عكست رموز وألوان الثوب الفلسطيني خصوصيّة كل منطقة في فلسطين، ووثّقت تراثها وطبيعتها واهتماماتها، وأبرزت حياة الناس وتنوعهم الثقافي والمعرفي والاجتماعي والسياسيّ، وهو ما سمعناه غناءً بأصوات أجدادنا وجدّاتنا، حكايات حفظوها في ذاكرتهم وعبّروا عنها بلهجاتهم وبساطتهم لننقلها إلى أجيالنا، رسالة تنقلها الأغنية التراثية الفلسطينية اليوم بنصوص وألحان وتوزيعات مختلفة، ساهم تلفزيون فلسطيني في إحياء بعضها بإعادة إنتاجها، وتأليف أغانٍ جديدة من وحي وأثر هذا التراث، كان آخرها أغنية “طلي بثوبك”، من كلماتها: “يا محلى ثوب بلادي يا ضي العين، ثوب مزين بوشاح الكرم والزين، شال ملفلف ومطرز حبة حبة، معقود بثوبك يا بنية بمحبة”.

Hide picture