متحف “التراث” بالقدس.. صندوق أسرار التاريخ الفلسطيني

مقتنيات أثرية، وحُلي، وأزياء فلسطينية قديمة، أصحابها قتلوا في مذبحة دير ياسين عام 1948م، وقطع أثاث قديم، وغيرها، ضمتها جدران متحف التراث الفلسطيني في مدينة القدس.

ثلاثة آلاف قطعة أثرية، هي ما تحتويه غرف المتحف المكوّن من ثلاثة طوابق، كل غرفة منها سميّت نسبة لما تحويه من مقتنيات، كان يستخدمها الفلسطينيون قديماً، كأدوات الطعام، والحصيد وغيرها.

ويهدف المتحف، بحسب القائمين عليه، للحفاظ على الموروث الفلسطيني، من مقتنيات حياتية متنوعة، “في ظل التضييقات التي تُفرض على أهالي القدس ومحاولات الاحتلال الإسرائيلي، سرقة التراث الفلسطيني”.

يقول مدير المتحف خالد الخطيب:” الحفاظ على هذا المكان وما يحتويه في مدينة القدس، أمر معقد، نتيجة التضييقات المفروضة علينا من قبل الاحتلال، ولكن لكي تبقى أبواب المتحف مفتوحة علينا أن نواجه الصعوبات جميعها ونتغلب عليها بجهودنا الشخصية”.

ويشير في حديثه للأناضول، إلى أن “التحدي والصمود في مدينة القدس، تشكّل على هيئة هذا المتحف”.

وقال:” الاحتلال يسيطر على كل ما يمس التاريخ الفلسطيني، والمقدسي تحديداً، ويعمل على تهويده ونسبه إليه”.

وتعود حكاية المتحف، لعام 1962 عندما بدأت السيدة المقدسية هند الحسيني بتجميع المقتنيات الأثرية من المتبرعين المقدسين بهدف إنشاء متحف فلسطيني.

وفي عام 1978م، افتتحت السيدة هند المتحف بشكل رسمي، في أحد مباني مدرستها “دار الطفل العربي” بمقتنياته “المتواضعة”، كمساهمة منها للحفاظ على التراث المهجّر، بعد النكبة التي حلّت بالفلسطينيين عام 1948.

واحتضنت الحسيني في زوايا بيت عائلتها الكبير في قلب مدينة القدس، عدداً من المقتنيات الأثرية كما احتضنت الأطفال الناجين من مجزرة دير ياسين، عندما آوتهم في منزلها، وافتتحت مدرسة “دار الطفل العربي” لرعايتهم عام 1948.

وبعد وفاتها بسنوات، أُغلق المتحف، ليعاد ترميمه وافتتاح أبوابه عام 2012، كثاني أكبر متحف في مدينة القدس، بعد المتحف الإسلامي الموجود في المسجد الأقصى المبارك، ليضم في زواياه مقتنيات أثرية كل منها يحمل قصصاً وتاريخاً.

وعندما تطأ قدماك المتحف، تستقبلك غرفة “دير ياسين”، وفيها مقتنيات تخص ذكريات المذبحة التي تعرضت لها قرية “دير ياسين” على يد العصابات الصهيونية عام 1948، والتي راح ضحيتها نحو 250 فلسطينيًا.

وجمعت بالغرفة مفاتيح لمنازل فلسطينية قديمة لما قبل النكبة، وثوب سيدة من “دير ياسين” وملابس زوجها، في حين تعرض شاشة فيلماً ينقل الزائر لتاريخ النكبة وما قبلها.

مدير المتحف خالد الخطيب، أشار إلى أن هذه الغرفة هي “أصل حكاية مدرسة دار الطفل والسيدة هند الحسيني”.

وقال:” جمعنا تلك المقتنيات لتكون شاهدة على ما قامت به السيدة الحسيني، وشاهدة على ما حصل في دير ياسين”.

كما جمع القائمون على المعرض أثاثاً ومقتنيات السيدة الحسيني، ووضعت في إحدى غرف المتحف.

وفي الطابق العلوي، غرف عديدة تكدست بها المقتنيات التي تحكي قصصاً تاريخية، منها غرفة لماكينات الخياطة وأدوات الغزل التي كانت تستخدم قديما، و”غرفة القدس” التي تحتوي أثاثا لغرفة ضيافة مقدسية التي كانت في إحدى بيوت العائلات المرموقة.

ويلفت الخطيب إلى أن العديد من المقتنيات بالمعرض، هي تبرع من فلسطينيين، منهم يعيشون بالخارج، كمساهمة منهم للحفاظ على التراث المقدسي.

وفي زاوية أخرى، تتجاور ثلاث غرف تزينت جدرانها بالملبوسات الفلسطينية، إحداها لأثواب كانت تلبسها السيدات المقدسيات في الأفراح والأعياد، وأخرى لأثواب الحياة اليومية، وغرفة خصصت من أجل الحلي الفلسطينية القديمة التي يتجلى فيها جمال الذوق الفلسطيني العتيق، والحرفية والمهارة في صنع الحلي اليدوية.

ويستعد المتحف لإطلاق معرض “فنون الطباعة في فلسطين” في غرفة المعرض، والذي يضم العديد من أدوات الطباعة والأختام والأوراق التي استخدمت في الماضي.

وبحسب الخطيب، فإن معظم تلك الأدوات والماكنات هي من التبرعات.

وقال:” كل شخص في المدينة يترجم فخره بهذا المتحف بطريقته الخاصة، فطالبة المدرسة تتبرع بمصروفها الشخصي، والمستثمر القادر يتبرع بمبلغ أكبر، ومنهم من يقدم مقتنياته الخاصة هدية للمتحف”.

من ناحيتها، تقول منسقة المشاريع في المتحف، تالا صندوقة إن المتحف يفتح أبوابه خمسة أيام في الأسبوع.

وتضيف في حديثها للأناضول:” نستقبل مجموعات لا بأس بها من الزوار، لكن الزيارات الفردية شحيحة، وأتمنى أن ترتفع نسبة الوعي المتحفي لدى المقدسيين وألا تقتصر الزيارات على المجموعات المدرسية”.

وبحسب القائمين عليه، يعد المتحف سلاحا للحفاظ على الهوية الثقافية العربية الفلسطينية، ولا يقتصر عمله على عرض القطع الأثرية، بل يحتضن مشاريع عديدة، ومنها مشروع إنتاج أفلام قصيرة لطالبات المدرسة، بالشراكة مع متحف عربي أمريكي، من أجل تطوير قدرات الفتيات المقدسيات وزيادة وعيهن بالمتاحف وأهميتها.

ويعاني سكان مدينة القدس، من مشاكل عدة، تبدأ بظروف الحياة القاسية، ولا تنتهي بالإشكاليات التي يتسبب بها المستوطنون اليهود والشرطة الإسرائيلية.

ويقول السكان إن البلدية الإسرائيلية في المدينة، تمارس سياسة عنصرية تجاههم، حيث يعانون من مشاكل البنية التحتية من كهرباء وماء وصرف صحي، ناهيك عن إهمال متعمد للمرافق الخدماتية المختلفة.

كما تواجه القدس، أخطر مشاريع الاستيطان الإسرائيلية، فمنذ احتلال المدينة عام 1967، عانت من قيود مشددة على تطورها العمراني، وتمت مصادرة بيوت وأراضٍ فيها.

وترفض البلدية الإسرائيلية في المدينة، غالبا، منح الفلسطينيين رخصا للبناء، في حين تتوسع في منح المستوطنين تراخيص لبناء وحدات سكنية.

كما يقول الفلسطينيون، إن إسرائيل تريد السيطرة على المسجد الأقصى، وتقسيمه زمانيا ومكانيا، بين المسلمين واليهود.

المصدر : وكالة الاناضول

Hide picture