جداريات الفنان الفلسطيني كتلو تُزين مدينة دورا
تلك لمحمود درويش وأخرى لغسان كنفاني وثالثة لماجد أبو شرار ورابعة اتخذت شكل “المسلة” وأُسميت “الحلم الفلسطيني”، لتجسد حكايات الشعب ووطنه السليب وتخلد تاريخه وحضارته.
أينما ألقيت بوجهك في مدينة دورا بمحافظة الخليل جنوب الضفة الغربية، سترى قيم الجمال والثقافة قد اجتمعت في آن معا وشقت طريقها بين صخب المدينة وزحمتها، فالخليل كبرى محافظات الضفة الغربية ويقطنها ثلث سكانها.
بين هذا الزخم العمراني، شقت جداريات فنية للتشكيلي الفلسطيني يوسف كتلو طريقا لها، وأضحت شواهد بالمدينة ومن أبرز معالمها، بعد أن وثقت التاريخ والجمال بطريقة مختلفة.
لعائلة مهجرة عام 1948، ولد الفنان كتلو بمدينة دورا، وتعلم في مدارسها ثم أكمل دراسته للفن التشكيلي الذي أتقنه أكثر بالممارسة، فالفن في نظره “جزء من التكوين النفسي والإنساني والإبداع بحب الناس”.
لكن اللجوء أضاف لحكايته ألما آخر، فالوطن بالنسبة له “قطعة واحدة” لا يقسّم ولا يجزأ، لذا فقد ظل حاضرا بقوة في أعماله الفنية.
اختار كتلو الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش ليكون باكورة أعماله باعتباره أيقونة الفن والثقافة الفلسطينية، فبادر قبل سبع سنوات لترجمة “جداريته الشعرية” إلى عمل فني أسقطه نحتا على حائط متحف المدينة تخليدا للشاعر وإبداعه.
جداريات ضخمة
ثم تدفقت أعماله الأخرى -وخاصة خلال العامين الماضيين- لينتج سبع جداريات ضخمة توزعت بين مدن رام الله والخليل ودورا، ويقول إن النصيب الأكبر كان لمدينة دورا لاتساع المكان وملاءمته.
إلى جانب صورة درويش ظهرت قصيدته “عابرون في كلام عابر” منحوتة هي الأخرى بالصخر، وكأنّ كتلو يبعث برسائل عميقة لا تتناول فقط معالم الشخصية التي هي موضوع الجدارية، بل يرافقها بأيقونات تؤكد عروبة الفلسطينيين وحضارتهم.
كما حضر الروائي الفلسطيني ابن مدينة “دورا” ماجد أبو شرار في جدارية “الخبز المر” التي حملت عنوان روايته، وكذلك الكاتب غسان كنفاني، وأخرى للمناضل الفلسطيني باجس أبو عطوان.
قبل أن يدق بمطرقته أي ضربة، كان كتلو يبحث بعمق عن بطل جداريته، فيتدارس أركان قصته وأدق تفاصيلها ليسقط ذلك على عمله الفني، ويرفقه بأيقونات ورموز كنعانية تداخلت في ثنايا اللوحات كسنابل القمح والطير والسفينة والبحر وأدوات الفلاحة والحراثة القديمة لترسيخ الوجود الفلسطيني.
وأيضا، لم تغب المرأة الفلسطينية عن بال كتلو فأشركها في معظم جدارياته، وأفرد لها عملا مستقلا أطلق عليه اسم “سارة” وأقيم وسط مدينة الخليل.
أما الاحتلال الذي اعتقله سبع سنوات فقد أظهره باللون الأسود، حيث خطط به الجداريات، ويقول: إن الأسود ثوب الحداد لفلسطين وسيبقى ما دامت محتلة.
سرمدية الحجر
واستغرق عمل الجدارية الواحدة أكثر من أربعة شهور، ونحتت على صخر فلسطيني “لأن الحجر مادة غير قابلة للزوال وفيه سرمدية البقاء”.
وأراد كتلو الابتعاد عن نمطية التعريف بالفلسطيني، وأوضح أنه ترك للمشاهد أن يفهم الجدارية بطريقته ويعرف مغزاها، ولا سيما أنها وضعت في أماكن عامة تسهل رؤيتها وليست داخل صالونات مغلقة أو لفئة دون أخرى.
ويدلّ على ذلك جدارية الحلم الفلسطيني (المسلة)، فهي أضخم الأعمال وأكثرها تميزا، فارتفاعها بلغ 24 مترا بينما تراوح عرض وارتفاع نظيراتها بين ثلاثة وعشرة أمتار، وهي أيضا نحتت من زواياها الثلاث لتبدو كل واجهة لوحة مستقلة.
والجداريات كما يراها التشكيلي كتلو أعمق من فن النحت البديهي، فهي سهلة الفهم رغم تداخل الأشكال فيها، كما أنها “ملك الجميع” وتحمل رسالة للاحتلال الإسرائيلي بأن الفلسطيني صاحب الأرض وثابت فيها.
لم تكن تلك الجداريات إلا بداية الطريق للفنان كتلو في هذا النوع من الفن التشكيلي، فالرجل الذي يقضي خمس ساعات يوميا أو أكثر بين الرسم والنحت، يعكف على إنتاج أربع جداريات جديدة سيكون أضخمها للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
وهو يعمل على أن يكمل هذه الجداريات في عام 2018، حيث ستعلن بيت لحم عاصمة للثقافة العربية ودورا “مدينة الجداريات”، لتكون مسارا سياحيا للزوار.
المصدر : الجزيرة نت