الفن تحت الرقابة: هل ما زال حرًّا حين يتعلّق بفلسطين؟

 

فلسطيني 

في واقعة جديدة تطرح تساؤلات حول حدود حرية التعبير في الغرب، قررت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) عدم بث عرض فرقة Kneecap الأيرلندية خلال مهرجان “غلاستونبري” الموسيقي، خشية أن يتضمن العرض رسائل داعمة لفلسطين، وفق ما أفادت وكالة رويترز.

وبينما أكدت BBC أن قرارها يأتي ضمن سياسة “تجنّب المحتوى الجدلي”، اعتبر فنانون وناشطون أن هذه الخطوة تمثل تضييقًا واضحًا على حرية التعبير الفني، خاصة حين يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.

الرقابة حين يكون الحديث عن فلسطين

في المقابل، اختار الفنان البريطاني Bob Vylan التعبير المباشر عن دعمه لفلسطين على المسرح ذاته، حين هتف أمام الجمهور: “حرية لفلسطين”. ورغم أن BBC بثت العرض في البداية، فإنها عادت لتعتذر عن “عدم قطع البث في لحظة حساسة”، في إشارة واضحة إلى الرقابة اللاحقة التي تمارسها المؤسسة الإعلامية على الرسائل المناصرة لفلسطين.

هذه الحادثة لم تكن الأولى، لكنها تعيد طرح سؤال مركزي:

هل الفن حرّ فعلاً حين يلامس العدالة الفلسطينية؟

لطالما شكّلت فلسطين نقطة اختبار لمدى صدقية الخطاب الغربي حول الحريات. فبينما يُسمح للفنانين بانتقاد السياسات والحكومات، والانخراط في قضايا المناخ والعدالة الاجتماعية والعرقية، تتحول فلسطين إلى “منطقة محظورة” إعلاميًا وفنيًا.

إن قرار BBC، سواء بمنع بث عرض فرقة Kneecap أو الاعتذار عن عرض Bob Vylan، لا يمكن فصله عن سياق أوسع تحاول فيه مؤسسات إعلامية كبرى تطويق الخطاب الفلسطيني، ليس فقط في الأخبار، بل في الأغنية والمسرح والتصميم.

الفن الذي ينحاز للعدالة لا يُرحّب به إذا كانت بوصلته تشير إلى فلسطين. وما يُقمع هنا ليس “المحتوى الجدلي”، بل الخطاب الصادق الذي لا يتماهى مع سردية القوة.

من وجهة نظر فلسطينية، فإن ما جرى في “غلاستونبري” يعكس استمرار محاولات تهميش صوت الفن المقاوم. فهتاف “Free Palestine” من على خشبة المسرح، أو قميص يحمل شعار التضامن، باتا في نظر بعض الجهات “خرقًا” يتطلب الرقابة، وأحيانًا التحقيق، كما حدث مع أعضاء فرقة Kneecap.

رغم ذلك، لا تزال منصات الفن تحفل بأصوات فنانين يكسرون جدار الصمت مثل:
Roger Waters، Lowkey، Macklemore، Bob Vylan وغيرهم، ممن أعلنوا بوضوح وقوفهم إلى جانب الشعب الفلسطيني، رافضين تبريرات “الحياد المهني” و”الحساسية السياسية”.

الفن ليس محايدًا حين يتعلق بالعدالة

من المهم التأكيد أن الفن، بطبيعته، لا يمكن فصله عن الواقع. بل هو أداة اشتباك أخلاقي وسياسي، تُستخدم لتعرية الظلم وتوسيع مساحة الوعي. وما يحدث اليوم من تقييد للفنانين المتضامنين مع فلسطين، يُظهر أن القضية لم تعد فقط سياسية أو إنسانية، بل اختبارًا جوهريًا لمدى صدقية منظومة الحريات الغربية.

وفي هذا السياق، فإن الدفاع عن حرية التعبير الفني لا ينفصل عن الدفاع عن الحق الفلسطيني في الظهور، في السرد، في الغناء، وفي الوجود ذاته.

Hide picture