«يا سعيد ويا سعيّد، اليوم الوقفة وبكرا العيد».. من أغاني أطفال فلسطين في العيد
تزخر الذاكرة الشعبية الفلسطينية بالأغاني والأهازيج التراثية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمناسبات الوطنية والدينية، والتي يبتكرها الفلسطينيُّ من وحي ثقافته ومحيطه وتعبيره عنها، كما تعد ركيزةً أصيلةً وأساسية من ركائز التراث الفلسطينيّ، والذي ساهم إسهامًا كبيرًا في التعبير عن هويته وقيمه ومناسباته، منذ ما قبل النكبة، وحتى يومنا هذا.. فكيف وثَّقت الأغنية التراثيّة مظاهر العيد والتفاعل الشعبيّ والعاطفيّ معه؟
بكرا العيد ونعيّد.. أشهر أغاني العيد في فلسطين؟
اتسمت أغاني الأطفال وأهازيجهم في العيد بالعفويّة والألحان الجميلة والتعبيرات التراثيّة الرائعة، فكانوا يخرجون إلى الشوارع، إن في عيد الفطر أو عيد الأضحى، خاصة ليلة العيد، ويردّدون «بكرا العيد وبنعيّد ونذبح بقرة السيد، والسيد ما عنده بقرة نذبح بنته هالشقرا، والشقرا ما فيها دم نذبح بنت العم»، وهي الأغنية التي اشتهرت كثيرًا وغنّاها الأطفال ليس في فلسطين فقط، إنما في بلاد الشام ومصر وكثير من الدول المجاورة.
وأنشد الأطفال أيضًا الكثير من الأغاني تعبيرًا عن فرحتهم بقدوم العيد، ومنها:
يا مفطر بعد العيد ** حنّي أسعد وسعيد
حنّي عليه الألماني ** خلي أسنانه قدامي
بكرا العيد يا مسعود ** دارت الميّة في العود
يا سعيد ويا سعيّد ** اليوم الوقفة وبكرا العيد
بكرا العيد من حقه ** بنقطع راسك يا سقا
بكرا العيد والثاني ** بنقطع راس أبو هاني
بكرا العيد والثالث ** بنقطع راس أبو عايد
ليلة العيد، العيدية والمراجيح في أغاني الأطفال 🤍
وفي ليلة العيد، لا ينام الأطفال إلا قبل أن يتأكدوا من تجهيز ملابس العيد، ووضعها تحت فراش النوم لارتدائها في الصباح، ومرافقة آبائهم إلى صلاة العيد، ومن ثم تبدأ فعاليات الألعاب البسيطة والشيقة، والزيارات العائلية للحصول على العيديات، ومن هنا تبدأ الرحلة، رحلة اللعب على المراجيح وتذوق الحلويات اللذيذة مثل الحلاوة والكعكبان وشعر البنات، ومما يغنّيه الأطفال في يوم العيد: «أعطونا عيدية الله يعطيكم وعلى مكة يوديكم»، و «أبوي أعطاني عيديّة واشترى لي هدية».
ولأن المراجيح لعبة الأطفال المفضلة في العيد، يُبدعُ أصحابها في جذبهم إليها، ليجنوا في الموسم الكثير من القروش، فيُغنّون لهم: «هاي شوط القملة، وهاي شوط البرغوث، واللي ما بيرجع يتمرجح، إن شاء الله سِنُّه تموت»، وعندما يرفض الأطفال النزول عنها لشدة استمتاعهم بالأجواء ومظاهر العيد، تنقلب كلمات الأغاني: «هاي شوط القملة وهاي شوط البرغوث، واللي مش نازل هون، راح ينزل في بيروت، ودلِّل دلِّل يا دلَّال، عشرة بيضا يا دلَّال».
يويا وغزّة والمندوب السامي في أهازيج العيد!
استخدم الفلسطينيُّ الأغنية الشعبية في مناسبات عديدة لمواجهة الانتداب البريطاني ورفضه، حتى في الأهازيج التي يُغنّيها الأطفال والكبار في العيد، حيث ذُكر المندوب السامي البريطاني في إحداها: «انزلت على السكة يا خالو، لقيت خواتي الستة يا خالو، لقيت مندوب الأزعر، يا خالو، عم يمشي ويتكعور يا خالو»، كما حضرت المدن الفلسطينية في أغاني العيد، ومنها مدينة غزة: «طيري وهدّي يا وزّة، ع بلاد غزّة يا وزّة، على عرق التينة يا وزّة».
حتى أغنية «يويا» التي سمعناها جميعًا بأصوات فنانين وفرق فلسطينية وعربية مختلفة، والتي ذاعت بعد النكبة، استخدمت أيضًا قبلها، أيام البلاد، وحضرت كثيرًا في المناسبات الوطنية والدينية من بينها العيد، و«يويا» هي كلمة آرامية تعني «إن أراد الرب / إن شاء الله»، وردّدها الأطفال فرحًا بالعيد:
يا ولاد حارتنا، يويا
شدّوا طارتنا، يويا
طارتنا حديد، يويا
واليوم العيد، يويا
كسروا قرعتنا، يويا
زَيّ الفَلّينة، يويا
فلينة مين، يويا
حجّ إسماعين، يويا
دبوس عصملّي، يويا
يغرس بالسلّة، يويا
دبّوس ألماس، يويا
كيف يبدو عيد الأطفال اليوم؟
وحتى يومنا هذا، يغني أطفال فلسطين في العيد، يصدحون بالتكبير والمديح النبويّ، يلعبون في ساحات المسجد الأقصى وأماكن اللعب في بلادهم المحتلة، يزيّنون الشوارع والحارات ويملأونها بهجة ومرحًا، يساعدون أمهاتهم في صناعة كعك العيد وتوزيعه على الأقارب والجيران، ويشاركون آباءهم في الزيارات العائلية طوال أيام العيد الثلاث، فلا شيء يوقف ارتباطهم بأرضهم أو يمنعهم من الفرح..