فلسطيني في غزة يهوى جمع القطع النقدية العثمانية

يهوى الفلسطيني محمد الزرد (32 عاما) من قطاع غزة جمع القطع النقدية التي تعود إلى عهد الدولة العثمانية (1299 ـ 1923)؛ إذ نجح بامتلاك نحو 120 قطعة منها.

 

واعتاد الزرد، الذي يعمل مدرسا في قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية بغزة، خلال زياراته المتكررة لمصر، ارتياد المقاهي القديمة التي كانت طاولاتها تُفترش بالعملات النقدية الأثرية، فينتقي القطع التي يفضّل.

 

كما كان يتردد على “المزادات” العلنية في بعض الدول كالسعودية وقطر واليونان وتركيا وفلسطين، التي كانت تطرح القطع النقدية “النادرة” للبيع.

 

ويقول الزرد إن هواة جمع العملات النقدية الأثرية المعدنية والورقية يلتقون في المناطق القديمة، بعواصم ومدن دول عربية مختلفة، قادمين من مختلف بقاع الأرض، لتبادل القطع التي لديهم عن طريق البيع والشراء.

 

كما يفترش بعض باعة تلك القطع أرصفة الشوارع في هذه الدول، وآخرون يفتتحون محالّ صغيرة لبيعها.

 

إلا أن انتشار شبكة الإنترنت خلال الأعوام العشرة الأخيرة أتاح لهم إمكانية شراء تلك القطع التي يشغفهم تجميعها عن بعد.

 

وتعود أقدم قطعة نقدية عثمانية يملكها الزرد إلى عهد السلطان العثماني سليمان القانوني (1520 ـ 1566)، وهي مصنوعة من البرونز.

 

وحصل الزرد على أول قطعة نقدية عثمانية عندما كان في الثامنة عشرة من عمره.

 

وكانت القطعة الأولى صغيرة الحجم مصنوعة من “النحاس”، واضحة الزخارف، وثمنها زهيد يتماشى مع ميزانيته الصغيرة، والتي كانت تعتمد بشكل أساسي على مصروفه اليومي.

 

وشُغف الزرد بـ”الطغراء”، وهي الرسومات التي كانت تنقش على الصكوك السلطانية، والمرسومة على وجهي القطع النقدية العثمانية المعدنية.

 

ويرى الباحث في مجال التاريخ والآثار في “طغراء” القطع النقدية العثمانية، أشكالا زخرفية يصفها بـ”الجميلة جدا”؛ إذ أنها “تحكي فنا من فنون الخط العربي”، كما قال لـ”الأناضول”.

 

ولفت إلى أن السلاطين العثمانيين كانوا يرسمون أسماءهم وألقابهم على العملات الورقية والمعدنية، والمعاملات الرسمية للدولة، بشكل جميل.

 

وتكتب اللغة العثمانية بالحروف العربية، وبشكل زخرفي، إلا أن تلك الحروف تقرأ باللغة (العثمانية).

 

وبدأ الزرد بجمع القطع النقدية العثمانية بشكل احترافي وهو في عمر الـ(25)؛ حيث بات يفرّق بين القطع النادرة والقيّمة، والأخرى البخسة.

 

ويقول: “ليس كل قديم نفيسا، وليس كل حديث بخسا، هذه القاعدة التي كنت أعتمد عليها في جمع القطع النقدية الورقية والمعدنية العثمانية”.

 

ويوضح أن بعض القطع النقدية العثمانية “النادرة” تستمد قيمتها التاريخية من كونها القطعة الفريدة في العصر الذي وجدت فيه، وليس لكونها الأقدم.

 

ويحتفظ الزرد بالقطع العثمانية في حافظات بلاستيكية، ويضعها داخل ألبومات مخصصة، ويغلق عليها باب خزينة حديدية كي يحميها من التلف والتآكل.

 

ومن أندر القطع التي نجح الزرد في امتلاكها هي العملات “الذهبية”، واصفا عملية العثور عليها بـ”التحدي الصعب”.

 

وكانت قيمة تلك القطعة تقدر بـ”الليرة” الذهبية، فيما تعرف باسم “الليرة العصملّي”، باللهجة العامية العربية.

 

وأُشيع بين الناس في ذلك الوقت مثل شعبي يقول “معدنك كالليرة العصملّي”، للدلالة على المعدن الأصيل والقيمة العالية.

 

ويبلغ وزن “الليرة العصملية” التي يملكها الزرد حوالي 7.2 جرامات، فيما تصنّع من الذهب بعيار (21).

 

ولفت إلى أن الدولة العثمانية صكّت ليرات ذهبية بعيار أعلى من (21).

 

وكانت القطع النقدية العثمانية “المعدنية” تصنّع من عدة مواد أقلها قيمة هي “البرونزية والنحاسية”، تليها الفضة، ومن ثم “البيلون” وهو سبيكة من النحاس والفضة (أي فضة عيار منخفض جدا)، وأخيرا تصنع من الذهب وهو الأعلى قيمة.

 

وإلى جانب المعدن، طرحت الدولة العثمانية في نهاية عهدها العملة الورقية؛ بسبب ضعفها اقتصاديا آنذاك.

 

وقال الزرد: “تم إصدار العملات النقدية الورقية في نهاية الدولة العثمانية، بسبب الضائقة المالية التي مرت بها الدولة واستنزفت خزائنها”.

 

إلا أن مواطني الدولة العثمانية لم يفضلوا اقتناء القطع النقدية الورقية؛ إذ كانوا يفضلون المعدني منها لا سيما الذهبية.

 

وتعتبر الأوراق النقدية من العملات النادرة؛ كونها لم تجد رواجا لدى الناس، ما أدى إلى قلة تداولها، حسب الزرد.

 

ويملك الزرد واحدة من القطع الورقية النادرة، وهي عبارة عن “نموذج” نقدي، صُك في المصرف العثماني المركزي في إسطنبول، وأرسل إلى المصارف العاملة (أفرعه داخل الولايات العثمانية).

 

ويقول إن النموذج الذي بحوزته هو من القطع الورقية غير القابلة للتداول بين عامة الناس.

 

ويُكتب على هذا النموذج بالحروف العربية كلمة “بطال” أي “ملغى”، لتأكيد منع تداوله بين الناس.

 

كما يملك الزرد ثلاث ورقات نقدية من فئة “الليرة العثمانية”، والطريف أنه كان قد حصل عليها من ثلاث دول مختلفة (واحدة من غزة، وأخرى من مصر، والثالثة من السعودية).

 

ويعتبر امتلاك القطع النقدية القديمة مباحا من الناحية القانونية في فلسطين؛ إذ تعتمد وزارة السياحة والآثار قانونا يعود لعام 1929، والذي ينص على أن “كل أثر منقول وغير منقول يعود لما قبل عام 1700، وما بعد ذلك لا يعتبر أثرا”.

 

وتسجل القطع النقدية القديمة لدى وزارة السياحة، ويتعهد المالك بـ”عدم التفريط بها”، وفق الزرد.

 

وإلى جانب اهتمامه بجمع العملات النقدية، نجح الزرد في اقتناء بطاقة بريدية أصدرها الهلال الأحمر التركي، تخليدا لذكرى شهداء الجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى (عليها صورة لسفينة تحمل شعار الهلال الأحمر التركي، وموظفيه ينقلون جرحى الجيش).

 

كما يملك كتابا محدّثا لدستور الدولة العثمانية أصدر عام 1908 (العام مدون على الكتاب) متآكلا وأوراقه صفراء.

 

ويحتفظ الزرد بأختام كانت تستخدم في عهد الدولة العثمانية للإمضاء، باعتبارها بديلا جيدا عن “التوقيع بخط اليد”.

 

ويقول: “كل فرد في الدولة العثمانية كان يملك ختما خاصا للإمضاء، يُنقش عليه اسمه وتاريخ ميلاده، كان يصنع من الفضة والنحاس، وكانت بعض الأختام على شكل خواتم تلبس في الأصابع”.

 

وعلى شمّاعة قديمة، يعلّق الزرد زيّا كاملا يعود لأحد الضباط العثمانيين، يُعتقد أنه من ذوي الرتب العسكرية العالية، كون “الحزام منسوجا من الذهب، ومعلقا عليه وسام الشجاعة العثماني”، وهو وسام يمنح للجنود الذين أبدوا شجاعة وإخلاصا في الحروب والمعارك.

 

كما ثُبّت على الزي شعار عسكري عثماني، ويعتبر من أعقد الشعارات (عليه رموز لسيوف، ورماح، ومدافع، وميزان).

المصدر : الاناضول

Hide picture