“حنظلة” ناجي العلي: مَوْلُودُ فلسطين الحاضر في الذاكرة

بعد مرور ثلاثة عقود وجهت الشرطة البريطانية نداء جديدا من اجل الحصول على مـــعلومات بـــشأن اغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي فـــي لندن قبل 30 سنة حيث لقي مصرعه عن عمر يناهز 51 عاما بعد أسابيع قليلة مـــن إطلاق النار عليه فـــي 22 يوليو/ تموز 1987.

 

وفي غضون ذلك فقد كــــان قد حَصَّل تهديدات بالقتل بسبب رسومه الكاريكاتيرية التي سخر فيها مـــن ساسة الشرق الأوسط..

 

فمن هو ناجي العلي؟

ولد ناجي العلي فـــي قرية الشجرة قضاء الجليل سَنَة 1936، ومع حرب 1948 أصبح ضمن شتات اللاجئين الفلسطينيين مع أسرته التي عاشت فـــي مخيم عين الحلوة بجنوب الأراضي اللبنانية .

 

فـــي المخيم نما وعيه السياسي، ونتيجة مشاركته فـــي المظاهرات ونشاطه السياسي ألقي به فـــي السجن فـــي لبنان، وعلى جدران زنزانته تطورت موهبته فـــي التعبير بالرسم، ثم التحق بمعهد الفنون اللبناني لفترة حتى لم يعد قادرا على تحمل المصروفات.

 

فـــي سَنَة 1961 كتـب لـــه الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني ثلاثة أعمال لـــه فـــي مجلة “الحرية” اليسارية الفلسطينية.

 

فـــي سَنَة 1963 انتقل الى الكويت وظل يرسم لعدد مـــن الصحف على مدى 11 عاما.

 

وفي سَنَة 1969 ظهرت شخصيته الكايكاتورية الأشهر “حنظلة” للمرة الاولى.

 

فـــي سَنَة 1974 عاد إلى لبنان وشهد الحرب الأهلية والغزو الإسرائيلي سَنَة 1982.

 

عاد الى الكويت للعمل فـــي وظيفة دائمة فـــي جريدة “القبس” الكويتية، وبعد مضايقات رقابية كثيرة انتقل الى لندن ليرسم للطبعة الدولية مـــن الصحيفة.

 

فـــي 22 يوليو/تموز 1987 أطلقت النار عليه خارج مكاتب الصحيفة فـــي لندن وتوفي بعدها بخمسة أسابيع، ولم تكشف ملابسات اغتياله حتى الآن.

 

كتاب فـــي الذكرى

وتحت عنوان “طفل فـــي فلسطين: رسوم ناجي العلي” جمع ابنه وأصدقاؤه مجموعة مـــن رسومه صنفت ضمن موضوعات شكلت أبواب الكتاب.

 

ويقول رسام الكاريكاتير الأمريكي الشهير جو ساكو فـــي المقدمة “كانت انتقاداته اللاذعة موحية سياسيا بشدة، إلا أن حنظلة هو الذي يعطيها بعدا شخصيا لدى قراء ناجي العلي”.

 

ويعتبر جو ساكو أن لناجي العلي فضلا فـــي تمكنه مـــن اعداد كتابه الساخر “فلسطين” الذي نال عنه أرفع الجوائز، وهو عبارة عن تقارير صحفية بالرسوم الكرتونية عن الاوضاع فـــي فلسطين المحتلة واسرائيل.

 

ينقل الكتاب قول ناجي العلي عن التزامه فـــي رسومه: “مهمتي أن اتحدث بصوت الناس، شعبي فـــي المخيمات فـــي مصر والجزائر، وباسم العرب البسطاء فـــي المنطقة كلها والذين لا منافذ كثيرة لديهم للتعبير عن وجهة نظرهم”.

 

يضم الكتاب مختارات مـــن الرسوم عن قضيته الأساسية فلسطين، وعن حقوق الانسان ـ ليس فـــي فلسطين فحسب، بل فـــي العالم العربي ـ وعن السلام والمقاومة وأمريكا والنفط وغيرها.

 

احتفاء ورثاء

لم يتوقف الاهتمام بناجي العلي أوضح قطاع واسع مـــن المثقفين والفنانين العرب، وسجلت السينما العربية حياته فـــي فيلم بطولة الفنان المصري الراحل نور الشريف.

 

وذكـر عنه الشاعر أحمد مطر:

 

مـــن لم يمت بالسيف مات بطلقة

 

مـــن عاش فينا عيشة الشرفاء

 

اما الشاعر العراقي مظفر النواب فوصف العلي:

 

ترسمُ صمتاً نظيفاً

 

فإن المدينة تحتاج صمتاً نظيفاً

 

وترسمُ نفسك مُتجهاً للجنوب

 

البقاع

 

العروبة

 

كل فلسطين !!!

 

لكن اكثر مـــن اشتهر شعره عن ناجي العلي، وان كـــان بالعامية المصرية مما حد مـــن انتشاره الواسع، فهو الشاعر العامي المصري عبد الرحمن الابنودي:

 

قتلت ناجي العلي لما رسم صورة

 

يواجه الحزن فيها براية مكسورة

 

لما فضحني ورسمني صورة طبق الأصل

 

ما عرفشي يكذب …ولا يطلع قليل الأصل

 

الناس بترسم بريشة … وهوه ماسك نصل

 

حنضلة

ومع مضي هذه المدة الطويلة لا تزال رسومه حاضرة فـــي ذاكرة الكثيرين مـــن قرائه العرب الذين طالعوها فـــي الصحف والمجلات أثناء حياته أو من خلال معارض كثيرة منذ وفاته.

 

وقد حلت هذا العام الذكرى الثامنة والثلاثون لشخصيته الكرتونية المبتكرة التي أصبحت علامة ثابته فـــي رسومه منذ نهاية ستينات القرن الماضي: حنظلة.

 

ويقول كثير مـــن الفنانين والكتاب مـــن اصدقاء العلي وممن عرفوه من خلال رسومه فقط أن شخصية حنظلة ستظل باقية لأنها تجاوزت قضية محدودة الى دلالات انسانية أوسع.

 

ورغم مرور السنين وتغير الاوضاع، يظل هناك للطفل الفلسطيني الذي يعطي ظهره للجمهور فـــي رسوم العلي ما يشهده ويشهد عليه.

 

واشتهرت رسومات ناجي العلي الكاريكاتيرية بانتقاداتها الحادة واللاذعة، لكن بلغة راقية ورسومات سلسة مشحونة وموحية فـــي الوقت ذاته.

 

ولم يقتصر هجومه وانتقاده على إسرائيل وأمريكا مثلا، لكنه طال العرب وحتى الفلسطينيين وفي غضون ذلك فقد كــــان معبرا إلى حد كبير عن تيار غالب فـــي العالم العربي، حتى أن صحيفة واشنطـن تايمز قالت عنه يوما: “إذا أردت ان تعرف رأي العرب فـــي أمريكا فانظر فـــي رسوم ناجي العلي”.

 

وذكـر عنه الاتحاد العالمي لناشري الصحف: “إنه واحد مـــن أعظم رسامي الكاريكاتير منذ نهاية القرن الثامن عشر”.

Hide picture